القائمة الرئيسية

الصفحات

توفر مدونة تكنولوجيا المعلومات أحدث المعلومات المفيدة في عالم التكنولوجيا والصحة والتنمية البشرية ونشر الوعي في العالم العربي بشكل عام..

الشباب عماد المستقبل وركيزة أساسية للتقدم والتطوير.

التنقل السريع

    الشباب والتغيير..







    لقد وصل الشباب في العالم العربي اليوم إلى وضع لا يحسد عليه، فربما يختلف حاله من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى أخر، لكن وبصفة عامة الوضع متردي ولابد من التغيير ولابد من وقفة تأمل، ولن أقف في هذه المقالة عند من السبب في الوصول إلى هذه الحالة ولن أوجه إصبع الاتهام لا نحو المجتمع ولا نحو العائلة ولا نحو الشباب ذات نفسه بقدر ما هي قراءة في التجارب السابقة والناجحة والتي جعلت من الشباب قادة أفذاذ، والسؤال الذي يتبادر للذهن ليس من المتسبب في هذه الحالة، ولكن كيف يمكن اصلاح هذا الوضع وكيف السبيل حتى نرجع الأمل والطموح في نفوس هذا الشباب الذي يمثل الثروة الحقيقية لكل بلاد يعيش فيها والركيزة الأساسية نحو البناء والتقدم.

    من المؤسف حقا أننا نرى كيف تسوء أخلاق شبابنا يوما بعد يوم في مجتمعاتنا العربية حتى بدأنا نلحظ بعض العادات السيئة والتي كنا نظنها حكرا على الشارع كيف بدأت تتسرب نحو المؤسسات التربوية شيئا فشيئا فتغافلنا عن أبسطها كاللباس الغير محترم وقصة الشعر الغير لائقة بحجة المراهقة حتى أصبح ما هو أعظم وأكبر في مدارسنا ولا أدرى ماذا بقي لنا لم نشاهده لنتغافل عنه، لقد تغافلنا وتغافلنا حتى ضيعنا الأمانة وضيعنا المعايير التي كنا نحتكم إليها وها نحن نجني ما تغافلنا عنه جيل لا يمت للتربية بصلة إلا ما رحم ربي. في هذه المقالة، تطرقت إلى سيرة أعظم قائد عرفته الدنيا، سيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام والذي شهد له العدو قبل الصديق، والبعيد قبل القريب، والناس أجمعين، بحسن الخلق، وحسن المعاشرة، وحسن التواصل، وحسن السيرة، فكيف تعامل هذا القائد العظيم مع الشباب؟ وكيف استطاع هذا القائد العظيم كسب قلوب الشباب؟     

    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، وألطفهم تعاملا، وأطيبهم تواصلا، فهو الرسول والمعلم، والأب والزوج، والقائد والقدوة، قال تعالى: " لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ "، كانَ أحسنَ الناس خَلْقَاً وخُلُقاً، فهو الصادق الأمين كما لقبه قومه وهو رحمةٌ للعالمين، رؤوفٌ بالمؤمنين، وقد كان صل الله عليه وسلم يتعامل مع جميع الناس بأخلاقه العظيمة وصفاته الحميدة، وكان يدعو إلى حسن الخلق والتجمل بالخصال الحسنة، وكان من دعائه: " وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ " وكان يحثُّ أصحابه على حُسن الخلق وحُسن التعامل مع الناس، قال صل الله عليه وسلم: " إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا ".

    تعتبر مرحلة الشباب من أهم المراحل العمرية في حياة الإنسان، حيث تتميز بالقوة والحماس والاندفاع، وتتفجر خلالها الطاقة والموهبة، وتوهج الشهوة وقلة العلم والوعي، وتحتاج هذه المرحلة إلى رعاية خاصة وتربية وتوجيه وتحمُّل للمسؤولية، وقد كان كثيرٌ من الصحابة من فئة الشباب في بداية الاسلام، وكان النبي صل الله عليه وسلم يحرص على الاهتمام والعناية بهم بشكل خاص، ويقوم بتربيتهم وتوجيههم نحو الخير والبناء والعمل الصالح، وقد كان قدوةً لهم في ذلك، فكانوا يتعلمون من حاله وفعله كما يتعلمون من نطقه وقوله، وكان صل الله عليه وسلم يخاف عليهم من الوقوع في الآثام والمعاصي، فيقوم بتربيتهم وتقوية الإيمان في قلوبهم، وتنبيههم وتحذيرهم من كل شر، ومعالجة أخطائهم بحكمة وعطف، وإيجاد الحلول لمشكلاتهم، ومتابعة شؤونهم بشكل دائم. ولقد وردت في السيرة النبوية عدة مواقف ونماذج لمعاملة النبي عليه الصلاة والسلام للشباب، فقد كان رسول الله أحسن الناس خُلقاً يعامل الناس جميعاً معاملة طيبة رقيقة، كيف لا يكون كذلك وهو الذي أرسله الله تعالى رحمة للعالمين، يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ومن هذه الحقيقة يمكننا أن ندرك عناية رسول الله بأهم مرحلة يمر بها الإنسان "مرحلة الشباب" فكان يدرك طبيعة الشباب، فيوجههم ويرشدهم بما يتناسب مع قدراتهم، ويشجعهم ويسند إليهم من المهام ما يسمو بهممهم، ويقوي نفوسهم. لقد أحب النبي صل الله عليه وسلم الشباب فأحبوه والتفوا حوله وفدوه بنفوسهم رضي الله عنهم أجمعين كيف لا وقد أظهر لهم الاهتمام بشؤونهم الشخصية وراعى حاجاتهم النفسية، وعمل على إزالة الحواجز وبناء العلاقات معهم، كما جاء في الحديث: " أَتَيْنَا رَسولَ اللهِ صَل اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فأقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكانَ رَسولُ اللهِ صَل اللَّهُ عليه وسلَّمَ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عن مَن تَرَكْنَا مِن أَهْلِنَا، فأخْبَرْنَاهُ، فَقالَ: ارْجِعُوا إلى أَهْلِيكُمْ، فأقِيمُوا فيهم وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ ". لقد أظهر الرسول الكريم الرحمة في أخلاقه فأحبه الجميع والتفوا حوله لقد أظهر عليه الصلاة والسلام الحب والتقدير للشباب فأحبوه واطاعوه، لقد رَبى النبي عليه الصلاة والسلام جيلاً مؤمناً وملتزماً بمفاهيم وتعاليم دينه، وكانت الشريحة الأكثر في هذا الجيل هي الشباب. لأن الشباب عادة ما يتفاعل مع الأفكار الجديد لحبه للإبداع والخلق والتجديد، وهم أكثر الناس تأثراً، وأسرعهم استجابة، وأشدهم تفاعلاً، بخلاف جيل الشيوخ الذين ـ في الغالب ـ ما يقفون حجر عثرة أمام أي تغيير أو إصلاح، فهم أشد الناس تمسكاً بالقديم، ورفضاً للحديث والجديد. وكان للشباب دور رائد في الالتفاف حول النبي عليه الصلاة والسلام ودعم ما جاء به، والدعوة إليه، والدفاع عنه. كما كان للنبي صل الله عليه وسلم اهتمام خاص برعاية الشباب وتربيتهم وإعدادهم لتحمل المسؤوليات الكبيرة. فما هي القواعد التي ربى عليها النبي عليه الصلاة والسلام شباب الجيل الأول؟

     1ـ التربية المتوازنة:

     لقد رَبىَّ النبي عليه الصلاة والسلام الشباب على التربية المتوازنة القائمة على الموازنة بين العاطفة والعقل، الروح والجسد، العلم والعمل. وهذا التوازن الدقيق هو المنهج السليم في التربية، وأن كل طغيان جانب على آخر، سيؤدي حتما إلى خللٍ في بناء الذات، وانحراف عن منهج الإسلام الصحيح. فقد كان عليه الصلاة والسلام يقف ضد كل توجه غير صحيح، أو تفكير خاطئ، أو ممارسة سلبية، من ذلك ما روي أنه عليه الصلاة والسلام جلس للناس ووصف يوم القيامة، ولم يزدهم على التخويف، فرق الناس وبكوا، فاجتمع عشرة من الصحابة في بيت عثمان بن مظعون، واتفقوا على أن يصوموا النهار ويقوموا الليل، ولا يقربوا النساء ولا الطيب، ويلبسوا المسوح، ويرفضوا الدنيا، ويسيحوا في الأرض، ويترهبوا ويخصوا المذاكير، فبلغ ذلك النبي عليه الصلاة والسلام، فأتى منزل عثمان فلم يجده، فقال لامرأته: " أحق ما بلغني؟ " فكرهت أن يكذب رسول الله، وأن تبتدئ على زوجها فقالت: يا رسول الله، إن كان أخبرك عثمان فقد صدقك، فانصرف رسول الله صل الله عليه وسلم، وأتى عثمان منزله فأخبرته زوجته بذلك، فأتى هو وأصحابه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: " ألم أنبأ أنكم اتفقتم؟ " فقالوا: ما أردنا إلا الخير. فقال صل الله عليه وسلم: " إني لم أؤمر بذلك، ثم قال: إن لأنفسكم عليكم حقا، فصوموا وافطروا، وقوموا وناموا، فإني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآكل اللحم والدسم، وآتي النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" ثم جمع الناس وخطبهم، وقال: "ما بال قوم حرموا النساء والطيب والنوم وشهوات الدنيا! وأما أنا فلست آمركم أن تكونوا قساوسة ورهبانا، إنه ليس في ديني ترك النساء واللحم، واتخاذ الصوامع، إن سياحة أمتي في الصوم، ورهبانيتها الجهاد، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا، وأقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وصوموا شهر رمضان، واستقيموا يستقم لكم، فإنما هلك من قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع.

    التربية الحسنة هي التربية المبنية على التوازن لا افراط ولا تفريط، فقد أوضح عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الإسلام يدعو إلى التوازن بين متطلبات الجسم ولوازم الروح، والإنسان كما يحتاج لإشباع غرائزه وشهواته المادية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ومنكح، يحتاج كذلك لإشباع ميوله ورغباته المعنوية، وأي طغيان لجانب على حساب الآخر سيؤدي إلى خلل في الشخصية، وانحراف عن منهج الإسلام.

    ولابد أن ننبه أن في هذا العصر قد طغت المادة فيه على كل شيء، وأصبح شعار الفلسفة المادية هو التركيز على كل ما هو مادي، وتجاهل كل ما هو معنوي وروحي، يحتاج كل شاب أن ينتبه إلى ذاته وأن يسعى لتحصيل الكمالات الروحية، وهذا يتطلب مجاهدة للنفس، والتدرب على ممارسة الرياضة الروحية، وترويض الذات على سلوك طريق الحق والخير والصلاح.

    2ـ الرفق بالشباب:

    تعامل الرسول صل الله عليه وسلم، برفق مع الشباب، وهذا ما زاد في إعجابهم بشخص النبي عليه الصلاة والسلام، والتفافهم حوله، وقد مدحه القرآن الكريم في تعامله مع الناس باللين والرفق، وقد كان النبي صل الله عليه وسلم يحث على الرفق، فقد روي عنه عليه الصلاة والسلام قوله: "إن الرفق لم يوضع على شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه " وأيضاً: "إياكم والتعمق في الدين، فإن الله قد جعله سهلاً، فخذوا منه ما تطيقون، فإن الله يحب ما دام من عمل صالح، وإن كان يسيرا ".

    وفي السيرة النبوية يوجد الكثير من الأمثلة التي تدل على رفقه عليه الصلاة والسلام بالشباب، نذكر من ذلك ما يلي:

    1-عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه فإن كان غائبا دعا له، وإن كان شاهدا زاره، وإن كان مريضا عاده.

    2 - عن ابن عباس قال: كان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا حدث الحديث أو سئل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه.

    3 ـ روى عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليه صلى الله عليه وسلم إن أخذنا في حديث في ذكر الآخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا اُحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    4- عن أبي الحميساء قال: تابعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فواعدته مكانا فنسيته يومي والغد فأتيته اليوم الثالث، فقال عليه السلام: يا فتى لقد شققت علي، أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.

    5- عن جرير بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بعض بيوته فامتلأ البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبي صل الله عليه وسلم فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال: اجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله.

    6- عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له.

    يتضح لنا من هذه الأحاديث، رفق رسول الله صل الله عليه وسلم، بالشباب، وتعامله معهم بكل لطف وليونة، وهذا من أسباب نجاح الدعوة، واستقطاب الشباب لرسالة الإسلام. وهذا ما يجب أن يتصف به الدعاة والقادة والعلماء إذا ما أرادوا استقطاب الشباب، والتأثير فيهم..

    3ـ الثناء على الشباب:

    للثناء تأثير كبير على النفوس، وبالخصوص نفوس الشباب، ولذلك كان النبي صل الله عليه وسلم، كثيراً ما يثني على الشباب المؤمن؛ فقد روي عن النبي عليه الصلاة والسلام، قوله: " ما من شاب يدع لله الدنيا ولهوها، وأهرم شبابه في طاعة الله، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صديقاً " وأنه أيضا قال: " إن أحب الخلائق إلى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقاً " وقال أيضاً: " فضل الشاب العابد الذي تعبد في صباه على الشيخ الذي تعبد بعدما كبرت سنه كفضل المرسلين على سائر الناس ".

    وقد كان لثناء الرسول صل الله عليه وسلم، على الشباب دور مهم ومؤثر في كسب المزيد منهم، والتفافهم حول قيادة النبي صل الله عليه وسلم، وهذا ما جعل للشباب دور فاعل في تقدم الدعوة، ونشر رسالة الإسلام إلى مختلف المناطق. فالشباب هم عماد أي تقدم، وسر نهضة الأمم، وقوة أي مجتمع، لأنهم في مرحلة القوة، والقدرة على العطاء والإنتاج، والاستعداد للتضحية والفداء، وحب المغامرة، وتوكيد الشخصية.

    4ـ دعم الثقة في نفوس الشباب:

    إن من أهم القواعد في بناء الشخصية وصنع النجاح هو الثقة بالنفس، والمتمعن في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام، يلاحظ أنه قد عمل على تدعيم ثقة الشباب بأنفسهم، بإعطاء الشباب الكثير من المسؤوليات الكبيرة والمهمات القيادية، مما أدى لزيادة الثقة بأنفسهم، وتنمية إرادتهم.

    إن أول من بعثه النبي صل الله عليه وسلم لنشر الدعوة الإسلامية في المدينة المنورة كان مصعب بن عمير، وكان في ريعان شبابه. وقد استطاع مصعب بالرغم من حداثة سنه أن يقنع الكثير من الناس في المدينة المنورة وكانت المدينة يومها من أهم مدن الجزيرة العربية ـبالإسلام. وقد عمل مصعب بكل جد وإخلاص من أجل التأثير في الناس، وإقناعهم برسالة الإسلام.

    بعد فتح مكة بفترة زمنية قليلة، اضطر الرسول صل الله عليه وسلم للخروج على رأس جيش، والتوجه نحو جبهة القتال، وكان لابد من تعيين قائد لمكة لإدارة شؤونها، وقد اختار من بين جميع المسلمين شاباً لم يتجاوز الواحد والعشرين عاماً، وهو عتاب بن أسيد كقائد لمكة المكرمة إلى حين عودته.

    في أواخر حياة النبي صل الله عليه وسلم أحضر جيشا من المسلمين لقتال الروم، وضم هذا الجيش كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار والشيوخ لا شك في أن قائد هذا الجيش العظيم لابد وأن يكون له شأن ومنزلة عند رسول الله صل الله عليه وسلم، لعظم هذه المسئولية وهذه المهمة وقد اختار عليه الصلاة والسلام أسامة بن زيد، وعقد له لواء القيادة وخوّله إمارة الجيش، وهو ابن ثماني عشرة سنة. وأصبح على الجميع أن يمد يد الطاعة والولاء والاحترام لهذا القائد الشاب، بالرغم من وجود كبار القوم في هذا الجيش المتجه لقتال الإمبراطورية الرومية.

    ولا يخفى أن الشرط الأساس لاختيار الشباب هو كفاءتهم وصلاحيتهم، ويتضح هذا الشرط جلياً في خطبه صل الله عليه وسلم وأحاديثه. فالشباب الذين كان يقع عليهم اختيار النبي عليه الصلاة والسلام، لتقليدهم المناصب الحساسة في الدولة كانوا يتمتعون بالكفاءة واللياقة المطلوبة من حيث العقل والفكر والذكاء والإيمان والعلم، والأخلاق، والتدبير، وغيرها. ومن هذه النماذج التاريخية يتبين لنا كيف أن النبي عليه الصلاة والسلام قد أجاد توظيف طاقات الشباب الخلاقة، واستطاع أن يزرع في نفوسهم الثقة بالنفس، والإرادة القوية، والعزيمة الفولاذية، الشيء الذي دفعهم للقيام بأدوار كبيرة، وتحملوا مسؤوليات خطيرة، كان لها الفضل الأكبر في نشر راية الإسلام في كل بقاع الأرض.

    الخلاصة

    من خلال تعامل النبي عليه الصلاة والسلام الحكيم مع الشباب استطاع أن يربي جيلاً مؤمناً وملتزماً بتعاليم وقيم الإسلام، وكان لهذه الطليعة المؤمنة ـ فيما بعد ـ دور مهم ومؤثر في التبليغ للإسلام، ونشر مفاهيمه، وقيمه، ومثله. وهكذا، يجب على كل قائد ومصلح وزعيم أن يعمل على كسب الشباب، وتوظيف طاقاتهم الخلاقة فيما يخدم المجتمع والأمة، واستثمار مواهبهم الإبداعية في التطوير والتقدم، كما عمل الرسول صل الله عليه وسلم مع الشباب، فرسول الله هو قدوتهم وأسوتهم. ومن الضروري العمل بجد وإخلاص من أجل استقطاب الشباب نحو التدين، وإنماء القيم الأخلاقية لديهم، وتقوية البنية الثقافية عندهم، وتزداد المسؤولية عندما نعلم بما يواجه شباب اليوم من حملات موجهة ومخططة من قبل وسائل الإعلام الفاسد، وشبكات الفساد والإفساد، ومافيا المسكرات والمخدرات. وكلها تهدف إلى إفساد الشباب المسلم، وإبعاده عن دينه وقيمه وأخلاقه، ونشر التحلل الأخلاقي، والميوعة السلوكية لدى جيل الشباب. إن على كل قادر من العلماء والمصلحين والمفكرين وغيرهم العمل بكل ما يمكن من أجل الاهتمام بقضايا الشباب، والمساهمة في حل مشكلاتهم، والعمل على استقطابهم نحو التدين، واستثمار مواهبهم وقدراتهم في عملية البناء الحضاري للأمة.

    author-img
    الأستاذ سامي رجايبي متحصل على الماجستير في تكنولوجيا التعليم الرقمي والإرشاد التعليمي من جامعة Hill Creast الأمريكية والأستاذية في الرياضيات من جامعة العلوم بنزرت ومتحصل على رخصة التدريب الدولي ..

    تعليقات