..غير أفكارك وسيتغير واقعك
التغيير سنة كونية، فجميع المخلوقات تتغير من حولنا وكذلك نحن، وهو
أيضا منهج الأنبياء والرسل والمصلحين في التعامل مع الناس وإرشادهم إلى طريق الخير
والصلاح على مدى التاريخ، ولقد اتخذه سيد الخلق أجمعين منهجا في حياته، حيث عُرف عنه
قبل الوحي بأنه الصادق الأمين، فلم يُعرف عنه سوى حب الخير للناس وحسن المعاملة
وحسن الجوار والابتسامة وتجنب الاساءة للآخرين والكلام الطيب، ولقد استطاع أن يسمو
بنفسه عن عالم التفاهة والسلبية، وتاقت نفسه كثيرا إلى عالم يملؤه حب الخير
والأخلاق الفاضلة وحسن الجوار. فكان صبره كبيرا في مقاومة كل أشكال الانحراف من
حوله والسلوكيات الرديئة التي اشيعت في المجتمع في ذلك الوقت، وقد قال أحد الصحابة، في كيفية تغيير النبي
عليه الصلاة والسلام لهم " كان عليه الصلاة والسلام يفرغنا ثم يملئنا
" بمعنى يفرغهم من العادات السلبية وسلوك الجاهلية، والتخلي عنها بالإقناع
والبرهان والدليل، ويملئهم بالعادات والأخلاق الفاضلة والسلوك القويم، وقد تحدثت
كتب السيرة في ذلك بإطناب وبالتفصيل، وقد
عاضدت جهود النبي عليه الصلاة والسلام نزول كلمة اقرأ أثناء الوحي والتي دوى صداها
في سماء الكون، رافعة لواء الحرب ضدّ الجهل والتخلف إلى التغيير – التغيير نحو
عالم المعرفة والعلم - فبالقراءة يستطيع
الانسان أن يُخرج نفسه من ظلمات الجهل وبراثن التخلف إلى رحاب العلم والمعرفة
والنور، فالقراءة إذا هي فن راق يخاطب العقول ويثريها وينميها وقد قال الله جلّ في
علاه في كتابه العزيز " قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
".
وأهم تغيير يقوم به الانسان في حياته هو تغيير الفكر بمعنى تغيير
الأفكار وطريقة التفكير، لذلك نرى الكثير من المفكرين يؤكدون على أهمية التغيير
الداخلي والمقصود به هو تغيير طريقة التفكير ويقول أفلاطون في ذلك " تربية
الانسان لذاته لها وقعها الخاص في النفس أكثر من تربية الآخرين له ".
وقال أينشتاين ذات يوم معرفا الغباء، بأنه خوض
نفس التجربة بنفس طريقة التفكير وبنفس القدرات والإمكانات وانتظار نتيجة مختلفة عن
سابقتها، فالإنسان الذي خاض تجربة وفشل فيها، عليه أثناء خوضها مرة أخرى، أن يغير
من طريقة تفكيره وإلا ستكون النتيجة كسابقتها، ومن ينتظر عكس ذلك فهو الغباء
بعينه.
والإنسان الذي يستطيع أن يطوّر ذاته، ويكسبها عادات ايجابية حسنة،
ويقطع مع السلبية، يمكنه تحقيق أشياء عظيمة في الحياة. وقد كان غاندي من بين أولئك
القلة القليلة الذين استطاعوا أن يسيطروا على أحاسيسهم ومشاعرهم السلبية ويغيروها
إلى ايجابية، فقد انتهج منهج اللاعنف في حياته، والذي آمن وتعامل به مع جميع الناس
من حوله، وعلى اختلاف ألوانهم وأديانهم ولغاتهم، حتى مع أشد أعدائه والمختلفين معه
في الرأي والفكر، الشيء الذي جعل منه عظيما في أعين الكثير من الناس حتى أن قصة
حياته لا تزال ينهل منها الكثير.
ويذهب أغلب المفكرين، في تبسيط مفهوم تطوير الذات إلى القول بأنه سعي
الانسان الدائم للتغيير نحو الأفضل حتى يحقق ذاته، والنجاح للوصول إلى السعادة
المنشودة في حياته، ولا يحتاج تطوير الذات إلى أكثر من إرادة قوية وعزيمة صادقة
على التغيير، ويبدأ ذلك من خلال تحسين نظرة الانسان لنفسه، بمعنى أن تكون له صورة
ذاتية جيّدة عن ذاته، والعمل على تطويرها وتنمية قدراته من خلال تنمية المهارات
التفكيرية والمهارات الشخصية والعلاقات مع الآخرين وتنمية روح المبادرة لديه وتوطيد الثقة بالنفس
والعمل الجدّي في تحقيق أحلامه. وقد قال برنارد شو ذات مرة " اهتم بأن
تحصل على ما تحبه وإلا ستكون مجبرا على تقبل ما تحصل عليه ".
ويعد تطوير الذات الركن الأساسي في تغيير طريقة التفكير في حياة
الناجحين، بل هي البداية ومنطلق كل تجربة ناجحة في الحياة، فكل ناجح كانت البداية
هي اهتمامه بذاته والعمل على تطويرها، وتغيير ما يجب تغييره فتتولد لديه الثقة
بالنفس العالية والدوافع الكافية والضرورية لتحقيق ما يريد.
كما أن الكثير من المؤلفين كتبوا في ذلك الكثير من الكتب، مبرزين
أهمية تغيير التفكير ولعل من بين هؤلاء المؤلف جون ماكسويل، خاصة ما جاء في كتابه
" كيف يفكر الناجحون " حيث تعتبر دعوة صريحة وواضحة إلى أولئك
الذين يريدون النجاح في الحياة والذين يريدون أن يصبحوا عظماء، أن يتبنوا القاعدة
الذهبية للحياة وهي تغيير طريقة التفكير، لأنها ببساطة هي
القاسم المشترك بين أغلب الناجحين، بل هي السمة الوحيدة التي تميزهم عن غيرهم. وقد
أفنى ماكسويل ما يزيد عن أربعين سنة في تتبع أثر الناجحين ودراستهم، كما يؤكد أيضا
أن هذه السمة يمكن اكتسابها إذا توفرت لدي الانسان الرغبة الجادة في ذلك والعزيمة
الصادقة، وإذا استطاع الانسان تغيير طريقة تفكيره فحتما ستتغير حياته.
كل الناس لديها أحلام كبيرة تريد تحقيقها في
الحياة، ولكن هناك فرق شاسع، بين من يسعى لتحقيق حلمه فيبحث عن حلول ويصرّ ويحاول
بكل ثقة ويقين، وبين آخر مستسلم لا يحاول فيموت ويموت معه حلمه، وقد استطاع أحد
الأمريكيين أن يصبح مليونيرا بعد محاولات بلغت الستة والعشرين محاولة، فبعد كل
محاولة فاشلة يعاود الكرة بإصرار أكبر على النجاح حتى حققه.
النجاح في الحياة من المواضيع الملهمة
والجاذبة، حيث أن السواد الأعظم من الناس يريد سماع الكثير من القصص التي تتحدث عن
ناجحين ومتميزين في الحياة حققوا انجازات عظيمة واختراعات واكتشافات أفادت
الانسانية فكتبوا بذلك أسمائهم في التاريخ بأحرف من ذهب، فهي تلهمهم وتحمسهم إلا
أن هذا الحماس لا يتحول إلى فعل فغالبا ما ينتهي في مستوى الحلم والحال أن هناك من
الحكم ما تقول " من سار على الدرب وصل" وأيضا " من يتبع
أثر الناجحين يصل إليهم" والنجاح إنما هو نتيجة نقررها بكامل ارادتنا ثم
نعمل بجد على الأسباب التى توصل لتلك النتيجة ولعل من القوانين المهمة في مجال
التنمية البشرية وخاصة قوانين العقل الباطن قانون السبب والنتيجة والذي يؤكد أن
لكل سبب نتيجة بمعنى آخر أن لكل نتيجة أسباب أدت لتلك النتيجة، والإنسان الذي يريد
تحقيق النجاح فما عليه إلا أن يقرر النجاح ثم يجعل كل تركيزه حول الأسباب التي
تؤدي أو توصله إلى تحقيق ذلك النجاح، وهناك من المفكرين من يتحدث على أن الانسان
يستطيع أن يبرمج عقله على النجاح وأن الانسان يشبه إلى حدّ ما الكمبيوتر فكما له
ثلاثة أجزاء وهي المدخلات وتتمثل في الفأرة ولوحة المفاتيح والتي تشبه الحواس
الخمسة عند الانسان فهي التي تقوم بالتقاط الأفكار ثم ترسلها للوحدة المركزية
وتشبه الدماغ عند الانسان وهو الذي يقوم بالتحليل ثم المخرجات وهي شاشة العرض أو
السلوك عند الانسان، والمبدأ الذي يرتكز عليه هذا العمل، بسيط جدا وهو " أن
أي انسان نجح في فعل شيء ما يمكن لكل انسان أن ينجح فيه إذا ما تم تفسيره وتعليمه
" وهذا ما يؤكد أن النجاح أمر متاح للجميع، فهذا العقل الذي نجح في صنع
تلسكوب هابل الذي يرصد المجرات التي تبعد عنا مسافات تقدر بالسنوات الضوئية وهو في
الفضاء ألا يستطيع أن ينتشل بعض المعدومين والفقراء من حالة الفقر المدقع نحو حياة
أقل ما يقال فيه أنها حياة انسانية بمعنى آخر حياة تكون فيها كرامة الانسان
محترمة، هذا الانسان الذي كرمه رب العالمين عن بقية المخلوقات، وقد خلقه ليكون
ناجحا وليس ليكون تعيسا وليكون مكرما وليس ذليلا وليكون بصحة جيدة وليس عليلا،
فزوده بعقل قادر على انجاز أعمال عظيمة متى تم تزويده بمعطيات صحيحة، فالعقل قادر
أن يجعل حياة الانسان جنته أو ناره، تفكيره هو أصل السعادة أو الشقاء. فتذكر أيها
الانسان أن لك عقلا قادر على أن يوصلك إلى ما تريد.
تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا إذا أعجبك الموضوع..